فصل: الترشيح الثاني: في الشرح وبيان الحاجة إليه والأدب فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم (نسخة منقحة)



.الترشيح الثاني: في الشرح وبيان الحاجة إليه والأدب فيه:

اعلم أن كل من وضع كتابا إنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح وإنما احتيج إلى الشرح لأمور ثلاثة:
الأمر الأول: كمال مهارة المصنف فإنه لجودة ذهنه وحسن عبارته يتكلم على معان دقيقة بكلام وجيز كاف في الدلالة على المطلوب وغيره ليس في مرتبته فربما عسر عليه فهم بعضها أو تعذر فيحتاج إلى زيادة بسط في العبارة لتظهر تلك المعاني الخفية ومن ههنا شرح بعض العلماء تصنيفه.
الأمر الثاني: حذف بعض مقدمات الأقيسة اعتمادا على وضوحها أو لأنها من علم آخر أو أهمل ترتيب بعض الأقيسة فأغفل علل بعض القضايا فيحتاج الشارح إلى أن يذكر المقدمات المهملة ويبين ما يمكن بيانه في ذلك العلم ويرشد إلى أماكن فيما لا يليق بذلك الموضع من المقدمات ويرتب القياسات ويعطي علل ما لم يعط المصنف.
الأمر الثالث: احتمال اللفظ لمعان تأويلية أو لطافة المعنى عن أن يعبر عنه بلفظ يوضحه أو للألفاظ المجازية واستعمال الدلالة الالتزامية فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه وقد يقع في بعض التصانيف مالا يخلو البشر عنه من السهو والغلط والحذف لبعض المهمات وتكرار الشيء بعينه بغير ضرورة إلى غير ذلك فيحتاج أن ينبه عليه.
ثم إن أساليب الشرح على ثلاثة أقسام:
الأول: الشرح ب قال أقول ك شرح المقاصد وشرح الطوالع للأصفهاني وشرح العضد وأما المتن فقد يكتب في بعض النسخ بتمامه وقد لا يكتب لكونه مندرجا في الشرح بلا امتياز.
الثاني: الشرح بقوله ك شرح البخاري لابن حجر والكرماني ونحوهما وفي أمثاله لا يلتزم المتن وإنما المقصود ذكر المواضع المشروحة ومع ذلك قد يكتب بعض النساخ متنه تماما إما في الهامش وإما في المسطر فلا ينكر نفعه.
والثالث: الشرح مزجا ويقال له: شرح ممزوج تمزج فيه عبارة المتن والشرح ثم تمتاز إما بالميم والشين وإما بخط يخط فوق المتن وهو طريقة أكثر الشراح المتأخرين من المحققين وغيرهم لكنه ليس بمأمون عن الخلط والغلط.
ثم إن من آداب الشارح وشرطه: أن يبذل النصرة فيما قد التزم شرحه بقدر الاستطاعة ويذب عما قد تكفل إيضاحه بما يذب به صاحب تلك الصناعة ليكون شارحا غير ناقض وجارح ومفسرا غير معترض اللهم إلا إذا عثر على شيء لا يمكن حمله على وجه صحيح فحينئذ ينبغي أن ينبه عليه بتعريض أو تصريح متمسكا بذيل العدل والإنصاف متجنبا عن الغي والاعتساف لأن الإنسان محل النسيان والقلم ليس بمعصوم من الطغيان فكيف بمن جمع المطالب من محالها المتفرقة.
وليس كل كتاب ينقل المصنف عنه سالما من العيب محفوظا له عن ظهر الغيب حتى يلام في خطئه فينبغي أن يتأدب عن تصريح الطعن للسلف مطلقا ويكني بمثل: قيل وظن ووهم وأعترض وأجيب وبعض الشراح والمحشي أو بعض الشروح والحواشي ونحو ذلك من غير تعيين.
كما هو دأب الفضلاء من المتأخرين فإنهم تأنقوا في أسلوب التحرير وتأدبوا في الرد والاعتراض على المتقدمين بأمثال ما ذكر تنزيها لهم عما يفسد اعتقاد المبتدئين فيهم وتعظيما لحقهم وربما حملوا هفواتهم على الغلط من الناسخين لا من الراسخين.
وإن لم يمكن ذلك قالوا: لأنهم لفرط اهتمامهم بالمباحثة والإفادة لم يفرغوا لتكرير النظر والإعادة وأجابوا عن لمز بعضهم بأن ألفاظ كذا وكذا ألفاظ فلان بعبارته بقولهم: إنا لا نعرف كتابا ليس فيه ذلك فإن تصانيف المتأخرين بل المتقدمين لا تخلو عن مثل ذلك لا لعدم الاقتدار على التغيير بل حذرا عن تضييع الزمان فيه وعن مثالبهم بأنهم عزوا إلى أنفسهم ما ليس لهم بأنه إن أتفق فهو من توارد الخواطر كما في تعاقب الحوافر على الحوافر.

.الترشيح الثالث: في أقسام المصنفين وأحوالهم:

اعلم أن المؤلفين المعتبرة تصانيفهم فريقان:
الأول: من له في العلم ملكة تامة ودربة كافية وتجارب وثيقة وحدس صائب وفهم ثاقب فتصانيفهم عن قوة تبصرة ونفاذ فكر وسداد رأي ك النصير والعضد والسيد والسعد والجلال وأمثالهم فإن كلا منهم يجمع إلى تحرير المعاني تهذيب الألفاظ وهؤلاء أحسنوا إلى الناس كما أحسن الله سبحانه وتعالى إليهم وهذه لا يستغني عنها أحد.
والثاني: من له ذهن ثاقب وعبارة طلقة طالع الكتب فاستخرج دررها وأحسن نظمها وهذه ينتفع به المبتدئون والمتوسطون. ومنهم من جمع وصنف للاستفادة لا للإفادة فلا حجر عليه بل يرغب إليه إذا تأهل فإن العلماء قالوا: ينبغي للطالب أن يشتغل بالتخرج والتصنيف فيما فهمه منه إذا احتاج الناس إليه بتوضيح عبارته غير مائل عن المصطلح مبينا مشكله مظهرا ملتبسه كي يكسبه جميل الذكر وتخليده إلى آخر الدهر.
فينبغي أن يفرغ قلبه لأجله إذا شرع ويصرف إليه كل شغله قبل أن يمنعه مانع عن نيل ذلك الشرف. ثم إذا تم لا يخرج ما صنفه إلى الناس ولا يدعه عن يده إلا بعد تهذيبه وتنقيحه وتحريره وإعادة مطالعته فإنه قد قيل: الإنسان في فسحة من عقله وفي سلامة من أفواه جنسه ما لم يضع كتابا أو لم يقل شعرا.
وقد قيل: من صنف كتابا فقد استشرف للمدح والذم فإن أحسن فقد استهدف من الغيبة والحسد وإن أساء فقد تعرض للشتم والقذف. قالت الحكماء: من أراد أن يصنف كتابا أو يقول شعرا فلا يدعوه العجب به وبنفسه إلى أن ينتحله ولكن يعرضه على أهله في عرض رسائل أو أشعار فإن رأى الأسماع تصغي إليه ورأى من يطلبه انتحله وادعاه وإلا فليأخذ في غير تلك الصناعة.
قف: ومن الناس من ينكر التصنيف في هذا الزمان مطلقا ولا وجه لإنكاره من أهله وإنما يحمله عليه التنافس والحسد الجاري بين أهل الأعصار ولله در القائل في نظمه:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا ** ويرى للأوائل التقديما

إن ذاك القديم كان حديثا ** وسيبقى هذا الحديث قديما

واعلم أن نتائج الأفكار لا تقف عند حد وتصرفات الأنظار لا تنتهي إلى غاية بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له وليس لأحد أن يزاحمه فيه لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين.
فلا تغتر بقول القائل: ما ترك الأول للآخر بل القول الصحيح الظاهر: كم ترك الأول للآخر فإنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته لا لقدمه وحدوثه.
ويقال: ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم ما ترك الأول شيئا لأنه يقطع الآمال عن العلم ويحمل على التقاعد عن التعلم فيقتصر الآخر على ما قدم الأول من الظاهر وهو خطر عظيم وقول سقيم فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها كما قال صلى الله عليه وسلم: «أمتي أمة مباركة لا يدري أو لها خيرا وآخرها» وقال ابن عبد ربه في العقد إني رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة ومؤلفي كل أدب أهذب لفظا وأسهل لغة وأحكم مذاهب وأوضح طريقة من الأول لأنه ناقض متعقب والأول باد متقدم انتهى.
وروي أن خواجه زاده كان يقول: ما نظرت في كتاب أحد بعد تصانيف السيد الشريف الجرجاني بنية الاستفادة وذكر صاحب الشقائق في ترجمة شمس الدين الفناري: أن الطلبة إلى زمانه كانوا يعطلون يوم الجمعة يوم الثلاثاء فأضاف إليهما يوم الاثنين للاشتغال بكتابة تصانيف العلامة التفتازاني- رحمه الله- وتحصيلها انتهى.

.الترشيح الرابع: في بيان مقدمة العلم ومقدمة الكتاب:

اعلم أن المقدمة- بكسر الدال المشددة وفتحها- تطلق على معان: منها ما يتوقف عليه الشيء وسواء كان التوقف عقليا أو عاديا أو جعليا وهي في عرف اللغة صارت اسما لطائفة متقدمة من الجيش وهي في الأصل صفة من التقديم بمعنى التقدم. ولا يبعد أن يكون من التقديم المتعدي لأنها تقدم أنفسها بشجاعتها على أعدائها في الظفر.
ثم نقلت إلى ما يتوقف عليه الشيء وهذا المعنى يعم جميع المعاني الآتية. ومنها ما يتوقف عليه الفعل يؤيد ذلك ما قال السيد السند في حاشية العضدي في مسائل الوجوب في بحث الحكم المقدمة عند الأصوليين على ثلاثة أقسام: ما يتوقف عليه الفعل عقلا كترك الأضداد في فعل الواجب وفعل الضد في الحرام وتسمى مقدمة عقلية وشرطا عقليا. وما يتوقف عليه الفعل عادة كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه كله وتسمى مقدمة عادية وشرطا عاديا.
وما لا يتوقف عليه الفعل بأحد الوجهين لكن الشارع يجعل الفعل موقوفا عليه وصيره شرطا له كالطهارة للصلاة وتسمى مقدمة شرعية وشرطا شرعيا انتهى. ومنها ما يتوقف عليه صحة الدليل بلا واسطة كما هو المتبادر فلا ترد الموضوعات والمحمولات. وأما المقدمات البعيدة للدليل فإنما هي مقدمات لدليل مقدمة الدليل.
ومنها قضية جعلت جزء قياس أو حجة وهذان المعنيان مختصان بأرباب المنطق ومستعملان في مباحث القياس صرح بذلك المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية وهي على قسمين: قطعية تستعمل في الأدلة القطعية وهي سبع: الأوليات والفطريات والمشاهدات والمجربات والمتواترات والحدسيات والوهميات في المحسوسات وظنية تستعمل في الإمارة وهي أربع: المسلمات والمشهورات والمقبولات والمقرونة بالقرائن كنزول المطر بوجود السحاب الرطب كذا يستفاد من شرح المواقف.
والمراد بالقياس ما يتناول الاستقراء والتمثيل أيضا وإردافه بلفظ أو حجة لدفع توهم اختصاص القياس بما يقابلهما. وقيل: أو للتنبيه على اختلاف الاصطلاح فقيل إنها مختصة بالحجة وقيل: يشمل ما جعلت جزءهما.
وهذا المعنى مبائن للمعنى السابق. وقيل: أخص من الأول كما يستفاد من بعض حواشي شرح المطالع.
ومنها ما يتوقف عليه الباحث الآتية فإن كانت تلك المباحث الآتية العلم برمته تسمى مقدمة العلم وإن كانت بقية الباب أو الفصل تسمى مقدمة الباب أو الفصل. وبالجملة تضاف إلى الشيء الموصوف كما في الأطول.
وقد اشتهر بينهم أن مقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع في ذلك العلم والشروع في العلم لا يتوقف على ما هو جزء منه وإلا لدار بل على ما يكون خارجا عنه. ثم الضروري في الشروع الذي هو فعل اختياري توقفه على تصور العام بوجه ما وعلى التصديق بفائدة تترتب عليه سواء كان جازما أو غير جازم مطابقا أو لا لكن يذكر من جملة مقدمة العلم أمور لا يتوقف الشروع عليها كرسم العلم وبيان موضوعه والتصديق بالفائدة المرتبة المعتد بها بالنسبة إلى المشقة التي لا بد منها في تحصيل العلم وبيان مرتبته وشرفه ووجه تسميته باسمه إلى غير ذلك.
فقد أشكل ذلك على بعض المتأخرين واستصعبوه فمنهم من غير تعريف المقدمة إلى ما يتوقف عليه الشروع مطلقا أو على وجه البصيرة أو على وجه زيادة البصيرة ومنهم من قال: الأولى أن يفسر مقدمة العلم بما يستعان به في الشروع وهو راجع إلى ما سبق لأن الاستعانة في الشروع إنما تكون على أحد الوجوه المذكورة ومنهم من قال:
لا يذكر في مقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع وإنما يذكر في مقدمة الكتاب وفرق بينهما بأن مقدمة العلم ما يتوقف عليه مسائله ومقدمة الكتاب طائفة من الألفاظ قدمت أمام المقصود لدلالتها على ما ينفع في تحصيل المقصود سواء كان مما يتوقف المقصود عليه فيكون مقدمة العلم أو لا فيكون من معاني مقدمة الكتاب من غير أن يكون مقدمة العلم.
وأيد ذلك القول بأنه يغنيك معرفة مقدمة الكتاب عن مظنة أن قولهم: المقدمة في بيان حد العلم والغرض منه وموضوعه من قبيل جعل الشيء ظرفا لنفسه وعن تكلفات في دفعه.
فالنسبة بين المقدمتين هي المباينة الكلية والنسبة بين ألفاظ مقدمة العلم ونفس مقدمة الكتاب عموم من وجه لأنه اعتبر في مقدمة الكتاب التقدم ولم يعتبر التوقف واعتبر في مقدمة العلم التوقف ولم يعتبر التقدم وكذا بين مقدمة العلم ومعاني مقدمة الكتاب عموم من وجه. وقال صاحب الأطول: والحق أنه لا حاجة إلى التغيير فإن كلا مما يذكر في المقدمة مما يتوقف عليه شروع في العلم هو إما أصل الشروع في العلم أو شروع على وجه البصيرة أو شروع على وجه زيادة البصيرة. فيصدق على الكل ما يتوقف عليه شروع ولحمل الشروع على ما هو في معنى المنكر مساغ أيضا كما في: ادخل السوق انتهى.
وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالرجوع إلى شروح التلخيص.
قال الشيخ رفيع الدين الدهلوي في رسالته في هذا الباب: المقدمة تطلق على أمور جزء من أجزاء الكتاب عنون بهذا اللفظ وجزء كذلك يعنون مثله به وإن لم يعنون بذلك اللفظ وما يستحق أن يقدم سواء قدم وعنون بها أو لا.
وهذا يسمى بمقدمة العلم والأول بل الأولان بمقدمة الكتاب فيفسر مقدمة الكتاب بما يفسر به الكتاب من الألفاظ والمعاني والنقوش وإن كان الثالث مجازيا في مثل: اشتريت الكتاب. وهذا كتاب فلان ولا يلتفت إليه في مثل: صنفت الكتاب وقرأته وهذا كتاب جيد متين ومتن وشرح وحاشية وتفسر مقدمة العلم بما يفسر به العلم من الإدراك والمدركات فيتحقق بينهما نسب مختلفة كالمتباين صدقا أو الكلية والجزئية أو العموم والخصوص المطلق.
كما إذا اشتمل مقدمة الكتاب على غير مقدمة العلم أيضا والعموم من وجه إذا لم يقدم مقدمة العلم وقدم شيء من غيرها.
هذا هو الكلام على العرف المشهور والذي يقتضيه النظر الصحيح أن يسمى بمقدمة الكتاب ماله دخل في خصوص الكتاب وبمقدمة العلم ماله دخل في العلم مطلقا. ويجتمعان إذا لم يكن مدخل في خصوص الكتاب إلا لما له دخل في العلم. وتحقيقهما باعتبار هذا النظر أن يقال: قد تبين في العلم الأعلى أن العلم التام بالأشياء ذوات الأسباب إنما يحصل بمعرفة عللها التامة وهي مجموع العلة الفاعلية والغائية والمادية والصورية وسائر ما يتوقف عليه حصول الشيء من الشروط والآلات والمعدات القريبة ونحو ذلك فيما يوجد فيه جميعها وبعضها فيما يوجد فيه.
بعضها فنقول: إن المتقدمين لما أفرزوا من نتائج أفكارهم الأحكام المتعلقة لشيء واحد وحدة ما من جهة واحدة علوما متفرزة وشحنوا بها كتبهم وأرادوا بقاءها على مر الأعصار وعلموها تلامذتهم قرنا بعد قرن حتى وصلت إلينا فاستحسنوا تقديم بعض مبادئها عليها ليكون تسهيلا لطالبيها وتبصرة لشارعيها.
وقد علمت وجه الضبط فاعلم أن ههنا أمرين أحدهما: العلم بما هو هو وذلك عبارة عن مسائل مخصوصة ومطالب معينة. وثانيهما: الكتاب وهو عبارة عن ألفاظ مقررة ومعان مرتبة. وربما كان كتاب واحد في علوم متعددة أو كتب متعددة في علم واحد ورب علم لم يدون في كتاب أو كتاب لم يشتمل على علم بل على مسائل متفرقة وأحاديث ملهية من نظم أو نثر. وأيضا هما يختلفان في أمور كثيرة: كالمنفعة والمضرة والجودة والرداءة والضعف والقوة وغيرها.
ونسبة الكتاب بمعانيه إلى العلم كنسبة العلم إلى الواقع بالمطابقة واللامطابقة فلكل منهما مبادئ متغايرة. فالأحق أن يجعل لكل منهما مقدمة مغايرة لمقدمة الآخر ويجعل مقدمة العلم من مقاصد الكتاب.
ولكن من الناس من يجمعهما ومنهم من يكتفي بأحدهما ومنهم من يذكر مقدمة الكتاب في الديباجة ومقدمة العلم في جزء من الكتاب يصدر بالمقدمة ويذكر في كل ما يهمه ويتفق له.. ولكن مقدمة العلم ومقدمة الكتاب في الأغلب داخلتان في الكتاب وذلك لعدم إفرازهما بعناية النظر.
ونحن نذكر مبادئ كليهما مع نوع ضبط فنقول: من المبادئ الفاعل أما فاعل العلم حقيقة فأول من أخرجه من القوة إلى الفعل ودونه وفصله كأرسطاطاليس لحكمة المشائين والمنطق وينوب منابه المهرة الذين هم أهل استنباط وتحقيق لقواعده.
وأما فاعل الكتاب حقيقة فمصنفه وينوب منابه من عليه الاعتماد في روايته وتوجيهه وإصلاحه. ومنها الغاية وهي بيان الحاجة الماسة إلى تدوينه وتصنيفه.
أما العلوم فلها غاية عامة هي تكمل النفس في القوة العلمية بمعرفتها وغاية خاصة تذكر في كل فن فن. وأما الكتب فلها أيضا غاية عامة وهي تسكين وهج القلب بإيراد ما يختلج فيه وإرادة الترويح والإبقاء كما قيل:
كل علم ليس في القرطاس ضاع **

وغاية خاصة من توضيح مجمل أو تلخيص مطول أو تعميم انتفاع أو كتم عن رعاع أو إبانة حق أو إزالة شك أو إرضاء عظيم أو تبكيت لئيم إلى غير ذلك.
ثم إن الغاية في الأفعال الاختيارية تتم بأمرين:
معرفة المطلوب حذرا من طلب المجهول المطلق. ومعرفة فائدته فرارا عن العبث. فوضعوا للأول معرفة الاسم ووجه التسمية للكتاب والرسم أيضا للعلم.
والثاني: بيان الفائدة والمضرة ترغيبا في تحصيله ومعالجة عن إفساده ومنها المادة والصورة وعلمهما بالحقيقة إنما يكون بعد إتمام تحصيل العلم والكتاب لأن الصورة جزء آخر للمعلول والمادة مقارنة لها بل حصولهما هو عين حصول المعلول وذلك مناف لغرض المقدمة.
فأقاموا مقامها شيئين آخرين: أما مقام المادة فللعلم بيان موضوعه الذي تنتهي إليه موضوعات مسائله كأنها شعب وتفصيلات ولواحق عارضة له وبيان حيثية البحث الذي تنتهي إليه محمولات المسائل كذلك. والكتاب بيان لغة ألفاظه أنها عربية أو فارسية وهي كثيرا ما تكون قليلة الجدوى. وبيان العلم الذي هو فيه فإن التحرير والتقرير إنما يقع فيه على صور شتى ووجوه مختلفة. وأما مقام الصورة فللعلم بيان أبوابه والإشارة إلى كليات أصوله وفروعه وللكتاب بيان ترتيبه وتفصيل أجزائه من المقالات والأبواب والفصول وغيرها وفهرستها.
ومنها الشروط فبعضها عامة لكل علم في المعلم والمتعلم وزمان التعليم والتصنيف. وقد حرر فيه رسائل تسمى آداب المتعلمين وآداب المصنفين. وبعضها خاصة فلكل طائفة من العلوم معلومات ما لم تعلم لم يعلم ولم يصح الجزم به مالم تستعمل وتسمى بالحدود. والعلوم المتعارفة والمصادرات والأصول الموضوعة. ولبعض الكتب رموز واصطلاحات ما لم تعلم أشكل فهم الكتاب.
ومنها الآلات فإن الفاعل القريب لاكتساب العلوم هي الأفكار ولها طرق ووجوه يسهل التحصيل بها يسمى الأنحاء التعليمية وهي: التقسيم والتحليل والتحديد والبرهان. وللكتب شروح وحواش يسهل فهمها بأعمالها ومنها المعدات القريبة فيبين مرتبة العلم لتأخر عما يجب وتقدم على ما يجب وكذلك مرتبة الكتاب وبيان الكتب التي منها مأخذ الكتاب والعلوم التي يحصل منها استعداد العلم المطلوب. فهذا وجه لضبطها. وسائر المصنفين يكتفون ببعضها لما مر ولأن منها ما يكفي مؤنة غيرها ولكن توسعة للأمر قد يحث على استيفائها والعلم عند الله تعالى انتهى. كلامه- رحمه الله.

.الترشيح الخامس: في التحصيل:

قال الشيخ العلامة رفيع الدين الدهلوي في التكميل: غلب في تحصيل المجهولات التعلم على التفكر ولم يكن له قانون فدون والدي العارف الواصل والنحرير الكامل الشيخ ولي الله ابن الشيخ عبد الرحيم العمري لمزاولة الكتب تعليما ضوابط فأضفت إليه ما وفقني الله سبحانه وهي هذه:
فتح فن التحصيل موضوعه العلوم المدونة من حيث تستفاد وتفاد. وغايته الخوض فيها على بصيرة والنجاة عن سوء الفهم لقاصدها وتمييز لبابها عن ذبابها وكسب الاقتدار والمهارة فيها وتفريق كامل الكتاب والمعلم من نقاصهما فليرسم بأحدهما وتكمل الناس في العلوم بدونه لا ينفي فائدته كمجتهدي الأمة وأساطين الحكمة ومدققي الهنود والإفرنج من المنطق ونظره في خمسة فإن التعلم بالتقرير ممن ينكر عليه مناظرة وممن يذعن له تدريس وتتلمذ وبالتحرير تصنيف ومطالعة.
بسط المناظرة: توجه الخصمين في مطلب لإظهار الحق والتعرض للبيان أو المبين الحجة أو المعرف فمن الأول:
1- حل المصطلح والمغلق.
2- تعيين المحذوف والمرجع والمحتمل لاشتراك وتجوز وتخصيص وتقييد.
3- دفع الإخلال لتعقيد وتبادر خلاف.
4- دفع الاستدراك.
5- سبب العدول عن ظاهر ومشهور.
6- تنبيه عن الإضرار بزيادة وتركها.
7- وعلى تعارض الكلامين صريحا أو التزاما.
8- وعلى تداخل الشقوق والأقسام.
9- طلب حكم مسكوت عنه منها.
10- خلو المدعى عن الفائدة.
11- استثبات الدعاوي خفية.
12- وظاهرا.
ويجاب بالبيان.
1- 2- إفهام القرينة.
3- وفائدة اللفظ.
4- والترجيح.
5- ودفع المضر.
6- والتوفيق.
7- والتمييز ولو في الجملة أو بالحقائق دون المصداق.
8- والدرج.
9- ووجه النفع.
10- والاطلاع.
11- 12- أو يصلح في الكل ثم الاستدلال أو النقل.
من الثاني:
1- تحقيق المذهب.
2- تصحيح النقل.
3- عدم الاعتداد به.
4- تغيير معناه.
5- منع المقدمات كلا أو بعضا كالصغرى والكبرى والملازمة والتنافي والوضع والرفع.
6- السند إن ادعى البديهة فالمساوي يفيدهما نفيا وإثباتا والأخص المعترض إثباتا والأعم المستدل نفيا.
7- فساد التأليف لفقد شرطه وعدم تكرر وسط ونفي حصر ويرددان على الشقين كثيرا.
8- مناسبة الأوسط لضد الأكبر والمقدم لضد التالي.
9- النقض بالتخلف عن المدعى.
10- وباستلزامه محالا.
11- المصادرة على المطلوب جزئية.
12- وتوقفا ولو باختلاف اللفظ.
13- القول بالموجب لعمومه أي الدليل عن الدعوى.
14- لقصور عنها لخصوصه.
15- المعارضة عليها.
16- وعلى مقدماتها.
17- إبطال المبني وهو غير القدح في دليله وذلك في المقدمات القريبة وأنفع منه لهدمه أساسا ولكن في طرفي المناظرة لئلا يشوش بالانتقال.
18- تساوي الدليل والدعوى قبولا وردا للاشتراك في أصل.
19- استثبات التفاريع عليها بعد الاعتراف تقديرا.
20- مخالفة النص أو إمام الفن.
ويجاب:
1- بالإعلام.
2- والعرض.
3- والتوثيق.
4- والترجيح بقرب وشهادة حاذق.
5- والاستدلال.
6- و7- التطبيق على القواعد.
8- ونفي المناسبة.
9- والفرق بين الصورتين.
10- و11- المتقدمتين.
12- وإبداء وسط يرفع التوقف.
13- وتوجيه التقريب.
14- و15- تبديل المنصب.
16- و17- أييد المبني بعد تحريره.
18- وقطع التفريع.
19- وتصحيح الفروع برفع الاستبعاد أو الإنكار.
20- والتأويل راجحا والجرح مرجوحا أو مرجوعا عنه لإعمال غيره وعند العجز الانتقال أو الإذعان.
والثالث أي المعرف لا يحتمل النقض والمعارضة.
ومنوع الأحكام الضمنية دعاوي يجب إثباتها:
1- كالدور مصرحا ومضمرا.
2- فمنها للحمل.
3- والتصوري للبديهة والسور.
4- والجلاء مطلقا.
5- والمنع.
6- والجمع وافيا.
7- والتناول.
8- والاندراج للإطباق.
9- ووجه الشبه بالمبائن قاصرا.
10- والذاتية حدا لفقد أحكامها.
وكله في الخفاء وبعد الظهور مجادلة لا يسامح فيها وقلما يلتزم إثبات شيء.